مقالات

مقال.. الفرنكوفونية والقانون المصري

 

بقلم.. الدكتورة يسرا محمد شعبان
مدرس القانون بكلية الحقوق جامعة عين شمس

بمناسبة اليوم العالمي للفرنكوفونية يطيب لنا أن تسطر في هذه الفقرات القادمة العلاقة أو الصلة بين القانون المصري والقانون الفرنسي والفرنكوفونية. 

مصطلح الفرنكوفونية يعني الرابطة التي تضمّ الدول والشعوب التي تتحدث بالفرنسية كلغة رسمية أو حتى لغة عادية، وقد ظهر هذا المصطلح لأوّل مرّة في القرن التاسع عشر.

في بادئ الأمر، يجب التذكير بأن يوم 20 مارس من كل عام هو اليوم العالمي للفرنكوفونية والذي يوافق الذكرى السنوية الأولى لنشأة المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية سنة 1988 م. وقد أقرت هيئة الأمم المتحدة هذا التاريخ تقديراَ لما تحتله اللغة الفرنسية من أهمية حول العالم، ضمن سلسلة مبادرة” يوم عالمي لكل لغة”. 

فاللغة الفرنسية تمثل اللغة الخامسة على المستوى الدولي الأكثر تحدثاَ واللغة الأجنبية الثانية الرسمية بالمنظمات الدولية. 

حول العالم، ووفقاً لآخر الاحصائيات: حوالي 321 مليون شخص يستطيع الفهم والتحدث بهذه اللغة. وتجدر الإشارة إلى أن أغلبهم (حوالي أكثر من 60٪) هم أفارقة أو يقطنون القارة السمراء. 

وللعلم مصر تعد من الدول الفرنكوفونية الكبرى في إفريقيا والشرق الأوسط وحوض المتوسط حيث انضمت للمنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية منذ عام 1983 م ويتعلم اللغة الفرنسية في مصر حوالي 3 مليون شخص. 

أما عن القانون، فقد بدأ التأثر بالقانون الفرنسي تحديدا في مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر. حيث بدى للحاكم المصري محمد علي ضرورة القيام بإصلاح المنظومة القانونية والقضائية في مصر ووجد في فكرة “الابتعاث الخارجي” الحل الأمثل لذلك. حيث سيساهم هؤلاء المبعوثون عند عودتهم النهائية في تنمية بلدهم “مصر”. 

وبدأت خيط الصلة بين مصر وفرنسا ينسج رويداً رويداً في مجال القانون خاصةً بعد أن قرر الخديوي إسماعيل سنة 1864 م تعيين البروفيسور الفرنسي “Victor Vidal” كمعلم أول للأمير توفيق ولي العهد وكلفه بتدريسه القانون الأوروبي والقانون الإداري الفرنسي في قصره بالقاهرة. 

أدركت فرنسا حينها، وخصوصاً في خضم صراعات تاريخية وسياسية كثيرة ، أن مصر هي المدخل الأول والأخير للشرق الأوسط وأفريقيا. فقدم مقترحاَ بإنشاء المدرسة الخديوية القانونية بالقاهرة، سنة 1868 م ، تحت إدارة وتصرف فرنسي إيطالي. تهتم هذه المدرسة بنشر وتعليم القانون والثقافة الأوروبية واللاتينية لعلية القوم والطلاب المجتهدين من المصريين، تاركين للجامع الأزهر تدريس العلم الشرعي والقانون المصري التقليدي.

وازداد التدخل والتأثر الأجنبي وخصوصاً الفرنسي لحين الوصول لعام 1875 م تاريخ نشأة المحاكم المختلطة في مصر. فتأكد الصراع السياسي والتاريخي بين إنجلترا وفرنسا لضمان مصالحهم في “مصر الحسناء”. ووجدت فرنسا استثمارها الأول والأهم “نشر العلم والقانون”. فبذلك تضمن ولاء نخبة ومثقفو المجتمع دون صراع عسكري. فكانت لها بمثابة الفرصة الذهبية للتواجد أكثر وأكثر في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية. 

وللعلم، كانت المحاكم المختلطة والتي تم إنشاؤها على غرار المحاكم الفرنسية، تهدف إلى إخراج مصر من نظام الامتيازات الخاص بالدولة العثمانية وحل أي خلاف قد ينشأ بين المواطنين المصريين والأجانب على الأراضي المصرية. ثم بعد ذلك تم إنشاء المحاكم الوطنية سنة 1883 م كرد فعل مباشر للسيادة المصرية على الاحتلال الإنجليزي لأراضيها سنة 1882 م. 

ظلت العلاقة بين فرنسا وانجلترا في علاقة “شد وجذب” في مجال القانون في مصر بغلبة فرنسية لحين 1936 م حين قرر الملك فاروق القيام بإصلاحات قضائية وقانونية جذرية خصوصا بعد توقيع معاهدة 1936م في عهد النحاس باشا. 

وكانت النتيجة تقريباً محسومة لصالح فرنسا، فهي تستثمر منذ قرابة قرن من الزمان في مجال التعليم القانوني في مصر، علاوة على تعليمها وتدريبها لأغلب الطلاب المصريين العائدين من اوروبا. 

وكان ضمن هؤلاء الطلاب المهرة “الأستاذ الدكتور العلامة عبد الرزاق السنهوري” الذي تولى فيما بعد مسؤولية هذا الإصلاح التشريعي على خطى أو نموذج فرنسي كما تعلمه من أستاذه “ادوارد لامبير” أستاذ القانون المقارن بجامعة ليون بفرنسا. 

أما عن طبيعة القانون المصري عما إذا كان فقط ذو طبيعة فرنسية، فلنا في ذلك إسهام آخر احقاقا للتاريخ ولرمزية  “السنهوري”.

وأخيراً وليس آخرا نود الإشادة بقرار الإرادة السياسية في مصر مؤخراً بتعميم تدريس اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية منذ الاعدادية، حيث كان تعليم اللغة الفرنسية يشمل فقط المرحلة الثانوية. أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القرار رقم ٧٩ لسنة ٢٠٢١ م ، بشأن الموافقة على اتفاق الشراكة بين جمهورية مصر العربية والوكالة الفرنسية للتنمية لتنفيذ مشروع التعاون الفني لدعم تدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية في المدارس الحكومية المصرية، والموقع بتاريخ ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٠ م. وفي ذلك تأكيد للوجه الفرنكفوني المصري وتأكيد ريادتها في إفريقيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى